فجأة وبدون مقدمات وجدتني أجلس إلى جوار أهداف سويف، تلك الروائية
''المصرية حتى النخاع''، لم أصدق نفسي في بداية الأمر أني أتحدث إليها
وتستمع إليّ وأنصت إليها، وبجوارنا المهندس إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق
للنشر والتوزيع يضفي على الجلسة التي ضمت أيضا الدكتور عمرو حمزاوي
وأصدقاء آخرين، جوا من الفكاهة والمرح الممزوج بالحزن على ما آلت إليه ثورة
تحدث عنها العالم أجمع ونقشت بأحرف من نور اسم ''ميدان التحرير'' ليس في
الذاكرة المصرية فقط بل في ذاكرة شعوب العالم أجمع..
طلبت منها - على
استحياء - إجراء حوار معها لصالح ''مصراوي''، رحبت على الفور وتبادلنا
أرقام الهواتف على أن أعاود الاتصال بها فيما بعد لتحديد الموعد والمكان،
وهو ما كان حيث طلبتها مرتين أحدها وجدتها تشارك أبناءها ''ثوار التحرير''
في حفل فرقة ''اسكندريلا'' التي أقامته قبل بضعة أيام (الخميس الأول من
ديسمبر الجاري) أمام مقر مجلس الوزراء وتحول الحفل إلى تظاهرة تطالب بحق
''شهداء الثورة ومصابيها''، وتندد بالحكم العسكري و''إدارة المجلس الأعلى
للقوات المسلحة لشؤون البلاد خلال أكثر من تسعة أشهر هي عمر ثورة 25 يناير
المجيدة الفريدة''.
كان الاتصال التالي مساء جمعة ''حق شهداء محمد محمود''، وكانت الدكتورة
أهداف كعادتها في ميدان التحرير تساعد الجرحى والمصابين في المستشفى
الميداني بمسجد عمر مكرم. طلبت أن يكون لقاءنا بعد ساعة في مقهى ''ريش''
القريب من ميدان رائد النهضة الاقتصادية في بداية القرن الماضي ''طلعت
حرب''، وهو ما كان حيث وجدتها تجلس على الطاولة رقم 3 بجوارها شقيقها
المهندس علاء سويف..
لم نبدأ في النقاش على الفور؛ حيث أن رواد المقهى تسابقوا لمصافحة تلك
الروائية والكاتبة الصحفية، التي تملك ناصية لغة القرآن الكريم ''العربية''
إضافة إلى أكثر لغة انتشارا على سطح كوكبنا ''الإنجليزية''.. وما أن فرغت
من تحية رواد ''ريش'' حتى شرعت في حديثي، الذي لم أكن أعرف من أين أبدأ،
لكني بدأت..!
سألتها عن الوضع في مصر بعد مرور نحو عشرة أشهر على إسقاط مبارك وتولي
المجلس العسكري الإدارة السياسية للبلاد بفعل انتفاضة الشعب المصري، قالت
إن الثورة التي أبهرت العالم شرقه وغربه ''تنمو وتنضج'' وفي سبيلها لتحقيق
شعاراتها الثلاث ''عيش.. حرية.. كرامة إنسانية''، وهدفها الرئيس ''العدالة
الاجتماعية''.
وترى سويف أن المجلس العسكري القابض على أمور البلاد لا يريد أن يغير
النظام الذي أسقط الشعب رئيسه، إنما يرغب في عمل إصلاحات لا ترتقي لطموحات
شعب التحرير وشبابه، وتذهب وجهة نظرها إلى أن طوابير المصريين الذين خرجوا
للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات برلمانية بعد ثورة يناير تعبر عن ''الرفض
التام لبقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة في السلطة ورغبة المصريين في
الحكم المدني، بعد نحو ستة عقود من حكم العسكر.
تقول سويف، التي تكتب ''الخيال بالإنجليزية والواقع بالعربية''، إن ''البعض
ترجم خروج الناس إلى الانتخابات (نسبة المشاركون في التصويت بلغت 60% في
المرحلة الأولى) بأنه ترحيب ببقاء المجلس العسكري في السلطة؛ إلا أنني أرى
أن ذلك كان وسيلة التعبير عن الرفض التام لبقاء المجلس العسكري في السلطة
وأيضا سعي المواطن المصري للحكم المدني''.
وحول دعوات البعض لمقاطعة الانتخابات التي يراها آخرون السبيل الوحيد
للخروج من الأزمات المتتالية التي تمر بها البلاد، قالت الدكتورة أهداف
سويف إن تلك الدعوات لـ ''تحقيق مطالب معينة واستردا لحقوق الشهداء..
والشباب الذين وقفوا وراء هذه الدعوات لهم وجهة نظر، وهي أن السلطة الحاكمة
(المجلس العسكري) مسئولة عن دماء الشهداء في أحداث التحرير وقبلها ماسبيرو
وبذلك فقدت شرعيتها''.
وتطرقت الدكتور أهداف سويف إلى حكومة
''الإنقاذ الوطني'' التي شكلها الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر
الأسبق بتكليف من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم للبلاد، وأشارت إلى
أنه رغم رفضها ورفض ميدان التحرير لإسناد رئاسة حكومة الإنقاذ الوطني إلا
أن الأمر أصبح واقعا، ''وما علينا سوى الانتظار ومراقبة أداء الحكومة وخاصة
في ملفي الأمن والاقتصاد''.
وكانت الدكتورة أهداف سويف قد شاركت في
اجتماعات عديدة في ميدان التحرير مطلع الشهر الجاري مع قيادات ثورية
وشخصيات عامة وعكفت بعدها على كتابة بيان ''ثوار مصر المعتصمين في ميدان
التحرير''، الذي طالبوا فيه بـ ''تنحي المجلس العسكري عن الإدارة السياسية
للبلاد، وإقالة حكومة الدكتور كمال الجنزوري وإقالة النائب العام، ومحاكمة
ضباط الداخلية والجيش المسؤولين عن قتل شهداء الثورة وإصابة شبابها محاكمة
عادلة وفورية''.
''الانتظار'' أيضا كان الكلمة التي اختارتها سويف
حين سئلت عن نتائج الانتخابات البرلمانية ''المرحلة الأولى'' وهيمنة
الإسلاميين؛ حيث أشارت إلى أنه يجب فرض ''حسن النية'' في التعامل مع
التيارات الإسلامية أو غيرها من التيارات السياسية الأخرى، وانتظار ما
سيقدمونه من خلال البرلمان، وإذا حدث شيء فـ ''ميدان التحرير موجود''.
ورأت
الدكتورة أهداف أن ''دخول البرلمان ليس الخطوة الأولى للقيادات الشبابية..
وحال أن سارت الأمور في مصر كما يجب أن تكون من الممكن أن نشاهد بعد عدة
سنوات العديد من الشباب تحت قبة البرلمان''.
وأثناء المقابلة لم
يتوقف هاتف الدكتورة أهداف سويف، وكانت معظمها اتصالات من بعض أفراد أسرتها
وناشطين سياسيين، كانت ترتب معهم فعاليات ثقافية وفنية تقام في ''ميدان
التحرير'' الميدان الأشهر على مستوى العالم والذي يحج إليه كل من يأتي إلى
أم الدنيا منذ يناير الماضي. وفي هذا الصدد تقول سويف ''في ميدان التحرير
هناك حالة من التضامن والمساندة بين رواده.. ويجب العمل على أن تستمر هذه
المساندة.. المواطنون تبرعوا بالأدوية والأجهزة الطبية.. فلماذا لا يتم عمل
خيمة دائمة للعلاج المجاني في ميدان التحرير''.
وأكملت ''حالة
التعاون الموجودة في الميدان يجب دعمها ومساندتها.. يجب أن نُخرج من
التحرير جماعات تساعد في محو الأمية ورعاية الطفولة والمشاركة في العمل
العام''.
وكانت الدكتورة أهداف سويف - التي تواجدت في الميدان مع المتظاهرين منذ يوم
27 يناير الماضي بعد أن عادت أدراجها من الهند؛ حيث كانت تشارك في أحد
المهرجانات الأدبية هناك - قد عملت على تضمين بيان ''ثوار مصر المعتصمين في
ميدان التحرير'' التأكيد على استمرار الفعاليات في الثقافية والفنية التي
ظهرت فيه أيام ثورة يناير مثل ''إقامة خيمة للعلاج، وأخرى لرعاية الطفل
إضافة إلى فعاليات أدبية وفنية وثقافية أيام الجمع مثل ''سينما التحرير''،
المعارض الفنية لفناني الثورة''.
وأهداف سويف لمن لا يعرفها هي
روائية وكاتبة مصرية تكتب باللغة الإنجليزية ومقالات باللغة العربية في
جريدة الشروق، ولدت في قاهرة المعز في 23 مارس من سنة 1950، ووالدها هو
عالم النفس الشهير الدكتور مصطفى سويف، وأستاذة الأدب الإنجليزي الدكتورة
فاطمة موسى، التي قامت بترجمة بعض أعمال ابنتها الكبرى أهداف إلى العربية.
وعاشت
الدكتورة أهداف سويف بين عاصمة أم الدنيا ومدينة الضباب ''لندن'' ودرست في
مدارس المدينتين قبل أن تحصل على ليسانس الآداب من قسم اللغة الإنجليزية
في جامعة القاهرة، وثم نالت درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية وآدابها من
الجامعة الأمريكية بالقاهرة وبعدها حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة
لانكستر بانجلترا.
وتزوجت أهداف سويف من الشاعر الإنجليزي أيان
هاميلتون الذي توفي سنة 2002، ولها منه ابنان هما عمر روبرت هاميلتون،
وإسماعيل ريتشارد هاميلتون. ولأهداف سويف أخان هما المهندس علاء سويف
والناشطة السياسية المعروفة الدكتورة ليلى سويف أستاذة الرياضيات بجامعة
القاهرة، زوجة الناشط الحقوقي أحمد سيف الإسلام، وابنها المحبوس حاليا علاء
عبد الفتاح.
وتهتم أهداف سويف بشكل خاص بالقضية الفلسطينية ونقل
وجهة نظر العرب إلى الغربيين من خلال كتاباتها ومقالاتها في صحيفة
الجارديان البريطانية ووسائل إعلام أخرى غربية، وكان لها الفضل في تكوين
جمعية ''الأحداث الملتحمة - Engaged Events'' في بريطانيا سنة 2007، مع بعض
الناشطين في مجال حقوق الإنسان. لتقوم ببعض الأنشطة الثقافية والفنية في
فلسطين.
وبجانب عملها واهتمامها بالقضية الفلسطينية، لم تبتعد أيضا
عن القضايا المصرية، وشاركت في ثورة 25 يناير التي خلصت المصريين من عقود
من الاستبداد والظلم، وعادت أدراجها من الهند لتنضم إلى الثور في ميدان
التحرير يوم 27 يناير، وتسجل مشاركتها في جمعة الغضب بعد ذلك بيوم، وظلت
بعد ذلك أسيرة ميدان التحرير لم تفوت جمعة إلا وحضرتها ودائما ما تقدم
الدعم للثوار والمعتصمين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]