هذه القصة رغم
قصرها فإنها بالغة الدلالة والعبقرية. فاللذة أو المتعة
التي لا يبذل فيها جهد, وحيث غياب الهدف والتحدي وألفة
البشر مهما يكن هناك من نعيم هي عين العذاب.
وهكذا
حال الساعي وراء ملذات اللحظة والذي لا يفكر في
المستقبل ولا يحدد أهدافا يحققها ولا يتحدي نفسه.. سرعان
ما يشعر بالتعاسة والفراغ النفسي.. فمشكلة هذا النوع
أنه يضع علي قدم المساواة العمل والألم, وعلي جانب آخر
المتعة اللحظية والسعادة الدائمة.. وهو ما أثبتت الدراسات
والخبرات البشرية عدم صحته.. وكما قال جون جاردنر ـ
وزير الصحة الأمريكي السابق نحن خلقنا للتسلق لا للتريض
فحسب.. علي عكس النموذج السابق هناك من يشبهه الكاتب
بشطيرة البرجر النباتية البحتة التي لا يشعر آكلها بأي
نوع من المتعة أثناء تناولها وكأنه يتناول قطعا من
الورق من فرط انعدام المذاق, ولكنه يعلم أنها ستعود
علي صحته في الأمد البعيد بالنفع.
وهذا النموذج
شائع للغاية لدي الناجحين في كل مكان.. وعلي هذا
المنوال الخاطئ نربي أبناءنا للأسف الشديد ويطلق علي هذا
الصنف Rat Racer أو النموذج اللاهث.
فنحن نشأنا
ونربي أولادنا منذ أيام الدراسة علي أن أهم مقياس في
الحياة هو تحقيق الدرجة النهائية في الامتحان, ولا نولي
اهتماما لاحساس الطفل بالتجربة واستمتاعه بمفردات الحياة
حوله أو حتي المادة الدراسية, وقد يحصل الطفل علي تلك
الدرجة, ثم علي التفوق نفسه في الجامعة ثم ينتقل هدفه
إلي الحصول علي تلك الوظيفة ثم تلك الترقية ثم تلك
التي تليها, وفي كل مرة يهيأ للشخص أن السعادة القصوي
هي في الهدف القادم, وبالفعل قد يشعر بنوع من
اليوفوريا, ولكنها تشبه من يحمل حملا ثقيلا فيتركه أو
يشعر بصداع فيتناول عقارا.
فالشعور الذي يتخيل المرء
أنه سعادة ما هو إلا الارتياح المؤقت عند ذهاب الهم
والتوقف المؤقت لسلسلة التوتر, وسرعان ما يذهب الشعور
ويشعر المرء بالخوار وعدم الرضا .. فتبدأ سلسلة أخري من
اللهاث وراء شيء قد يمنحه الحصول عليه هذا الشعور مرة
أخري.. وهكذا.
ولكن ينسي الإنسان أنه خسر
الاستمتاع برحلة الوصول .. فالمهم هو الرحلة وليس الوصول
إلي المحطة فحسب .. والسعادة الحقيقية لا تتأتي لهذا
النوع من البشر.
النوع الثالث يشبه شطيرة الهامبرجر
التي لا مذاق لها ولا تحمل فائدة مستقبلية.. وهي نموذج
بائس للبشر الذين يعيشون في الماضي, وهو النموذج العدمي
Nihilism الذي استسلم لأفكار سلبية اكتسبها من الماضي..
فلا هو ينفق ما يسعده حاليا ولا يبحث عن أوجه شغف
جديد.. ولا هو يجد في نفسه طاقة للنظر إلي هدف
يتحداه وحققه, وبالطبع هو شخص بالغ التعاسة.. ولسنا لهذه
التعاسة خلقنا.