التخليص بين العبد وربه
الشيخ أبو الوفاء محمد درويش
قضى الإسلام قضاء مبرمًا على الوساطة والوسطاء،
ودعا الناس إلى أن يدعوا ربهم مخلصين له الدين حنفاء، من غير أن يفزعوا
إلى أحد يقربهم إليه كما كان يفزع الذين وقعوا في حبائل الأوهام، وظنوا
أن الله لا يسمع الدعاء إلى بواسطة أحد المقربين أو الشفعاء.
بل جعل المسلمين خير أمة أخرجت للناس، وجعلهم أمة وسطًا ليكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيدًا.
ودعاهم إلى أن يدعوه مخلصين له الدين، وأن يعتصموا به ويخلصوا دينهم له.
قال تعالى :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا
وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 55 - 56].
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق:3].
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ
إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ
بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [الرعد: 14].
ونعى على الكافرين قولهم :
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3].
وقولهم :
﴿ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس: 18].
قرر الإسلام ألا وساطة بين المخلوق والخالق؛
ولم يسمح لأحد أن يسيطر على ضمير أحد ولا على وجدانه بعد أن كان الناس
كالقُصر تحت وصاية رجال الأديان الذين كانوا يوهمونهم أنهم يقربونهم إلى
الله زلفى! وبذلك غلبوهم على أمرهم، وعبثوا بعقولهم، وسدوا في وجودهم سُبل
الرقي والكمال.
طوّح الإسلام بالرياسة الدينية، والسيطرة الروحية، وجعل الناس أحرارًا لا يذلون لإنسان، ولا يخضعون في دينهم لمخلوق.
قضى على الكهنة الذين كانوا يرهبون
الناس ويملئون قلوبهم خوفًا ووجلًا، ثم يفتحون أمامهم بابًا من الرحمة
والغفران لا يسوغ لهم أن يلجوه إلا بعد أن يقدموا جواز العبور من الهدايا
والقرابين والنذور؛ أو على أقل تقدير جزية احترام وانحناء وخشوع وتقبيل
للأيدي والأقدام.
وهكذا وضع الإسلام أول حجر في بناء الحرية الإنسانية وإطلاق الفكر من عقاله.
ومما يدعو إلى الحزن العميق
أن فريقًا من المسلمين - بعد ما تبين لهم الحق - إن كانت لهم إلى الله
حاجة يمموا قبور الموتى، وناجوا رفات أصحابها - إن بقي لهم رفات - وسألوهم
أن يبتهلوا لهم إلى الله، وأن يتوسطوا لهم في قضاء حاجتهم.
وإن منهم لفريقًا إذا أرادوا أن يتوبوا إلى الله من ذنوبهم عمدوا إلى شخص يلقنهم صيغة معينة، وتقاضى على ذلك أجرًا يختلف قلة وكثرة باختلاف الطلاب.
وإن منهم لفريقًا يتخذون لهم مشايخ (وأعمامًا) ويعتقدون أنهم ينقذونهم من الضيق، وينجونهم من الكروب؛ ولا يجير المضطر إذا دعاه ولا يكشف السوء إلا الله!
فليت شعري متى يرجع المسلمون عن غيّهم، وينبذون كل ما سوى الله، ويتوبون إليه ويستغفرونه؟
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ *
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا
اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا
يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[فاطر: 13 - 14].
......................